ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن
الظن ، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس ، وتكدر البال ، وتتعب الجسد .
إن حسن
الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع ، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا ، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : "
إياكم والظن ؛ فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانًا ... ". (1)
وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا ، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة : فرِّق تَسُد ؛ لأن القلوب متآلفة ، والنفوس صافية .
الأسباب المعينة على حُسن الظن : هناك العديد من الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين ، ومن هذه الأسباب :1) الدعاء : فإنه باب كل خير ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا .
2) إنزال النفس منزلة الغير : فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان
الظن بالآخرين ، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه : {
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً }
n]النور : 12 ] . وأشعر الله عباده المؤمنين أنهم كيان واحد ، حتى إن الواحد حين يلقى أخاه ويسلم عليه فكأنما يسلم على نفسه : {
فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُم ْ}
n]النور : 61 ] .
3) حمل الكلام على أحسن المحامل : هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "
لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا ، وأنت تجد لها في الخير محملاً " .
وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده ، فقال للشافعي : قوى لله ضعفك ، قال الشافعي : لو قوى ضعفي لقتلني ، قال : والله ما أردت إلا الخير . فقال الإمام : أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير . فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير .4) التماس الأعذار للآخرين : فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار ، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا : التمس لأخيك سبعين عذراً .وقال ابن سيرين رحمه الله : إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل : لعل له عذرًا لا أعرفه .
إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء
الظن السيء وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك :
تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا ... لعل له عذرًا وأنت تلوم5) تجنب الحكم على النيات :وهذا من أعظم أسباب حسن
الظن ؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه ، والله لم يأمرنا بشق الصدور ، ولنتجنب
الظن السيء .
6) استحضار آفات سوء الظن : فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه ؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد ، ثم إن من آفات سوء
الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين ، مع إحسان
الظن بنفسه ، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه : {
فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }
n]النجم : 32 ] .
وأنكر سبحانه على اليهود هذا المسلك : {
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }
] النساء : 49 ] .
إن إحسان
الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك ، خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم ، وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان
الظن بالمسلمين .
رزقنا الله قلوبًا سليمة ، وأعاننا على إحسان الظن بإخواننا ، والحمد لله رب العالمين .[
المصدر : الشبكة الإسلامية ]
( 1 ) الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم : 6724 - خلاصة الدرجة : [ صحيح ]