( العَتِيرةُ )
هنالك سُنَّة وحيدةٌ مهجورة في شهر رجب: فـ-كما قلنا- نرى كثيرًا من النَّاس يتهافتون على المحدَثات -في الوقت الذي يَزهدون فيه في السُّننِ النبويَّات-وبخاصَّة منها المهجورات-، وإن كانت هذه المسألة التي سأقولها مسألة خلافيَّة بين أهلِ العلم؛ لكن: أنا أذكرُ لكم ترجيحَ شيخِنا الشَّيخ الإمام أبي عبدِ الرَّحمن محمد ناصِر الدِّين الألباني -رحمَهُ اللهُ-؛ فقد كان يُرجِّح استحبابَ العَتِيرةِ في شهر رجب.
و(العَتِيرةُ): هي ذبيحةٌ يُتقرَّب بها إلى الله في شهرِ رَجب.
وكان شيخُنا -رحمَهُ اللهُ- يُضعِّف الحديث المرويَّ في "سُنن أبي داود": "على كلِّ أهلِ بيتٍ في كل عامٍ أضحيةٌ وعَتِيرةٌ "، المشهور في الحديث: "عَلى كلِّ أهلِ بيتٍ في كل عامٍ أضحيةٌ"؛ لكن: جاءت زيادة في أسانيدَ صِحاح تقول: "وعَتِيرة".
فهذا الحديث: ظاهرُه يفيد الوجوب؛ ولذلك: القول الصحيحُ في الأضحية -عند بعض أهلِ العلم-بحسب هذا الدليل- أنها واجبة، وإن خالف آخَرون فقالوا: هذا النَّص لو لم يَرد ما يُبيِّن الاستحبابَ فيه؛ لكان الحُكمُ واجبًا مِن خلالِ هذا النصِّ؛ لكن: أبو بكر وعُمر -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُما- ما كانا يُضحِّيان؛ حتى لا يَعتقدَ النَّاسُ أنها فريضة -أو كما ورد عنهُما-رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُما-، وهُما اللَّذانِ قال فيهما نبيُّ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "اقتدوُا باللذَيْن مِن بعدي: أبي بكرٍ وعُمر"، فكما قال النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- فيهما -رضيَ اللهُ عنهُما-: "هُما السَّمعُ والبَصرُ" -رضيَ اللهُ-تعالى-عن أبي بكر وعمر-.
أقول: كما ورد ما يَرفع وجوبَ الأُضحية؛ ورد ما يَرفع وجوبَ العَتِيرة، فقد صحَّ عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أنه قال: "لا فَرَعَ ولا عَتِيرة".
بعض أهلِ العِلم حَكَم على هذا الحديث بأنه ناسِخٌ لذاك الحديث؛ لكنْ: عُلماء آخَرون -ومنهم شيخُنا الشَّيخ الألباني -رحمهُ اللهُ- قال: هذا ليس بناسخ؛ وإنما هذا يَرفع الوجوب؛ فلا فرَع ولا عَتِيرة طالما أنه وَرد في العَتيرةِ حضٌّ؛ بل أمرٌ، ثم جاء هذا الحُكم "لا فَرَعَ ولا عَتِيرة"؛ فإن هذا -حينئذٍ- ينفي الوُجوبَ ولا ينفي الحُكم، و(إعمالُ الدَّليلَين أولى مِن إهمالِ أحدِهما)؛ هذا من قواعد أصول الفِقه -عند أهل العلم-.
أما (الفَرَع): فهو ما كان أهلُ الجاهليَّةِ يتقرَّبون به بأوَّل ما تُنتِجُه بهائمهم؛ أول ما تُنتجه البَهيمة -من بهائِمهم-في الموسِم-؛ فإنهم كانوا يتقرَّبون به، ويتعبَّدون بذَبحِه لأصنامهم وأوثانهم؛ فجاء الشرعُ في النهيِ عنه وعدم إقرارِه.
لكن (العَتِيرة): طالما أنه قد أمرَ الشَّرعُ بها؛ فهذا جاء نفيًا للوُجوب، وليس نهيًا عن أصلِ الحُكم.
هذه سُنَّة مهجورة قال بها بعضُ أهل العلم -كما قلتُ-، وشيخنا الشيخ الألباني -رحمَهُ اللهُ- كان يحضُّ عليها.
[font=simplified arabic]